بطل بلا نظر!


بعيد عن البدايات التقليدية نقطة التحول في حياتي هو تاريخ 13 أغسطس 2003، السنة اللي تخرجت منها من الثانوية العامة بتقدير مُمتاز والسنة اللي انقبلت فيها في كلية الطب والسنة اللي اشتريت بها السيارة اللي كنت متشوق أسوقها متشوق أملكها، لكن كل شيء اختلف في 13 أغسطس 2003، كل شيء تغير أو تشتت، في هذا التاريخ مساءًا تعرضت لحادث اللي فقدت فيه عيوني وبتحديد بصري، الحادث اللي شتت كل شيء خططت له كل اٌمنية من اماني غرقت في الظلام في هذا التاريخ.
لما صحيت في المستشفى كانت عيوني مغطاه بالشاش وكانت يد دافيه تلامس يدي وصوت ابوي الهادي المجروح اللي يسألني عن حالتي واصوات اخواني بنبرة لا تخاف حنا معاك وخواتي اللي أصواتهم بها حنية ومواساه غامضة، حسيت بوقتها بشعور غريب شعور اللي تترك شيء في الماضي شيء تفقده قبل ما تفارقه، صحيت وكنت متضايق من كل شيء حولي خصوصًا الشاش اللي على عيوني خصوصًا اني ما أحس بصداع أو ألم وكان شيء غريب لكن كان تفكيري مشوش وكان الخوف يسكن صدري من اللي حصل
جاء الدكتور وكنت أول شيء اشتكي منه الشاش اللي على عيوني، وقال لي إن وصل الزجاج لعيوني وازلناه وبس فترة أسبوع بالكثير وراح يزيل الشاش وكل شيء بيكون بخير، اكذب عليكم إن قلت لكم صدقته لكن على الأقل ما شكيت، في البيت كانت الكفوف تلمني وكان لي عيون ماهي عينين كان دايمًا معي أحد يسولف عشان ما أمل أو يواسيني ويسليني..
اليوم الأول كنت مقيد بالظلام كنت جبان أخطي خطوة ما أشوفها ما تعودت احط رجلي في مكان ماهو مكانها في مكان ما أشوفه!
اليوم الثاني كان أصعب، أطول، كنت أحس اني فقدت شيء كنت حزين بس ماللحزن سبب وكنت اظن أنها اثار نفسيه للصدمة وانها بتزول مع مرور الأسبوع.
اليوم الثالث قررت أزيل كل الأفكار السلبية من بالي قررت اخذ شور دافي الصباح مُعتمد على نفسي وقررت اشيل الشاش مع الحرص ان ما افتح عيوني عشان الإصابة، ولا شعوريًا فتحتها وأنا ادور الشامبو وشفت سجني اللي بلا أسوار، شفت الظلام اللي سلبني جهدي وماضي ومستقبلي!
كان صوت الماء هو الستار اللي اخفي به صوت بكاي، كانت دموعي تسابق الماء كنت أبكي احلامي، طموحاتي، الأماكن اللي بسافرها وابي اشوفها، سيارتي اللي كنت انتظرها وما عاد بسوقها، بكيت وكن البكاء يشفي العمى!
استجمعت قواي نشفت جسمي ولبست ولأول مره كنت اتسأل هل هذا اللبس يناسبني؟ متعود لّا لبست أكون أنيق على الأقل بعيوني ونظري، يوم كان لي نظر!
في اليوم الرابع كنت جدًا بارد لأن كنت مقتنع أني اللي خسرته خسرته وإن الدموع ماهي طريق الرجوع!
يا صديقي كل شخص تخسره لا يعني شيء إطلاقًا، والحاجة ماهي حاجة المال، كل هذي الأمور استوعبتها من الظلام، مهما تكلمت مهما عبرت عن خسارتي ما راح تحمل معاناتي الحروف، ومن يشوف الجرح ما يعني أنه يشعر به ممكن يشفق على راعي الجرح فقط!
كنت أظن محد يعرف غيري أو هذا كان احتمال في بالي والإحتمال الاخر إنهم كلهم يعرفون ومسألة الأسبوع مجرد حيلة تساعدني أتقبل الموضوع لكني اتقبل موضوع الحيلة اكثر من إنهم ما يعرفون عشان ما اسمع نبرة الشفقه في نبراتهم، ما ابي اقرب الناس يشفق علي كرامي لا تسمح يا أمي و يا أبي، أو بالأصح لا أستطيع احمل اكثر من عناء فقدان النظر!
اليوم الرابع جاني الإتصال اللي كنت انتظره عن الشخص اللي كنت اخفيه عن كل الناس مثل ما اخفيته عن بداية قصتي، الشخص اللي كان جزء من طموحاتي واللي توسمت فيه احلامي، الشخص اللي حبيته لين وسدته مشاعري وقلبي، حبيبتي!
كانت تكلمني برود العتاب، بسؤال عن الغياب، بحيرة وين الناس؟ وقلت لها إني تعرضت لحادث بسيط وكان جوالي بعيد عني وكان دايمًا حولي ناس وما قدرت اني ارسل لك او اقرأ منك شيء للآسف، وكانت اول مره اكذب عليها وكانت خيبة الكذبه في صوتي تبان وكان وراء كذبتي امر اعظم من اني اكذب عليها!
كنت أفكر وأفكر وأفكر.. وش طموحها معي وش مستقبلها؟ كانت مع شخص يحرث الأرض للمستقبل شخص يوعدها يسقي ضلوعها الفرح وينبت على اطراف قلبها الورود كان مالي حياتها اماني شخص تنتظره وتعد الساعات تكون معها، من كل هذا لشخص عاجز يدل باب الغرفة!
في موعدي طلبت من الدكتور أتكلم معه على انفراد ولما انعزلت به قلت له انا اعرف انك تعرف اني عميت بس هم يدرون؟ انصدم وقال لي كيف عرفت؟ وسردت له قصتي وقال لي يعرفون وبهذي البساطة كان حديثي معه لكن طلبت منه انه ما يقول لهم اني عرفت..
في السيارة وحنا راجعين طلبت من أبوي يمر في محل نظارات وشلت الشاش عن عيوني وفتحتها لأول مره بقناعه اني هذي المرة ما راح اشوف، كثر ما حاولت بيأس اني اشوف في غرفتي وأنا أحاول والمضحك اني ماكنت ادري وقتها غرفتي مشغل النور ولا مظلم!
في حواري مع ابوي طلبت انه يتخلى عن مسألة ينصحني أو يقول لي كلمة مُمكن ترفع معنوياتي لأني تخطيت الموضوع، تخطيته من داخلي ومهما حزنت ما راح ابصر لازم ارجع ارتب حياتي من جديد ما ينفع أعيش بالظلام والحزن هذا الشخص ما يمثلني..
بعد مرور شهر جمعت شتات نفسي وقدرت ابني لي اهداف جديدة، واتخلى عن اهدافي القديمة اللي ما عاد صارت في عيوني، ما عدت اقدر اشوفها بهذي البساطة
حبيبتي أنا آسف تغيرت عليك! تمنيت لو اقدر استمر معاك تمنيت اشوف عيونك تبكي فرح بشيء صنعته لك تمنيت وتمنيت، لكن الاقدار كسرت مجدافي وغرقتني يا قاربي والميناء يا الساحل والموج مالي حيلة في هواك ولا لي حيلة معاك!
قررت أني أبتعد وأني بالبرود اكسي مكالمتنا فترة بعد فترة وكل سؤال تسألينه بإلحاح علي ما جاوبته ولا كذبت فيه لأني ما قويت أقول لك أنا ضحيت لك ما ضحيت بك، شفت حياتك بدوني ممكن أسعد، ممكن تحصلين الشخص اللي تمشين معها وهو اللي يمسك يدك ويحميك ويسير بك بالطريق، الشخص اللي يقول لك رأيك في لبسك، يا حبيبتي أنا عجزتني خطوتي والاماني صارت في عيوني سُدى، أنا بعدك ما بكون مع أحد غيرك، لكن انا كرهت نبرة شفقة كيف برضى أكون بعيونك الشخص العاجز يغازلك، ويغازل بسماتك، أنا ما أتحمل يا حبيبتي ما أشوف بسمتك، أنا آسف يا حبيبتي لأني تغيرت وقفلت كل درب يدلك علي!
تخليت عن احلامي طموحاتي وبديت استبدلها بأحلام وطموحاتي تليق بحالتي أكثر، تغيرت مشيتي ونبرة صوتي وحتى ثقتي بنفسي، تغيرت على كل ناسي، وقررت أتعلم القراءة باللمس، تعلمت أمور اكثر تساعدني أعيش حياتي باعتمادي على نفسي، ودراستي تخليت عنها، ليه ما اتخلى عنها وانا تخليت عن حبيبتي؟
مرت سنة وتغير كل شيء وكنت عايش في الماضي للحين، وبديت افكر وش بسوي بالسنة الجديدة ما أبيها تمر بخسارات كفاية ما خسرت كفاية كفاية! جلست افكر احتاج مشروع ابي دخل ابي اصنع شيء لي، ابي نجاح لي، ابي دخل مادي لي، ما عاد بحمل احد مسؤوليتي من أكون بكرة كفايه في البدايات كانوا يساعدوني في خطوتي!
قررت أقدم على الجامعة مرت سنة من تخرجي أقدر انقبل ومعدلي مرتفع أستفيد من شيء بذلته قبل أنا ما خسرت صار وقت ان ارد الصاع صاعين للظروف اللي حصلتني وابرهن لنفسي اني ناجح بكوني أنا وفقدان شيء لا يعني فقدان كل شيء!
قُبلت في كلية القانون في احد الجامعات واللي تعلمته في فترة دراستي من اول ترم والترم الثاني أني افهم في المحاضرة كثير جدًا لدرجة أنا اراجع بعد الدوام فقط، وان حاسة السمع عندي صارت قوية جدًا وتركيزي عادي وما عاد في ملهيات بصرية لي مثل أول، نجاحي كان مبهر وكنت اذا رحت اختبر كان اخوي يجي معي لين الجامعة خصصت لي كل اختبار شخص يكتب لي من مراقبين أو احد لما شافت نجاحي وتفوقي واحتاج دعم، وبعض الاختبارات كانت شفوية، القانون ملأ حياتي أدرك أن اسوء الأمور ممكن تحصلك ممكن تغير مسار حياتك للأفضل!
في السنة الرابعة الترم الثاني ( خريج ) وكنت اتقهوى وكانت القهوة الشيء اللي ما تغير علي ولا تغيرت عليها! وكنت فخور جدًا في نفسي اذا فكرت بإنجازاتي من لحظة قررت بتحرك، أتذكر الشعور اللي كان ينتابني بالحظة اللي سمعت الصوت المؤلوف جدًا ويسألني (أنت سامي؟) وجاوبته بنعم ف سحب الكرسي وجلس والغريب إن الصوت صوت بنت!!!
فبدا الحوار بيني وبينها وكان الصوت من الماضي وكان يبث فيني فرح، وكانت تسألني (من متى وأنت كذا) تقصد اني فقدت بصري، وقلت قبل ما تسأليني عرفِ عن نفسك؟ قالت أنا (حبيبتك)!
فقلت اعذريني العتب على النظر! فكان صوتها مع الحوار يزيد حدته وضيقته، فقلت لها (ما نويت أبتعد عنك إلا من نبرة حزن تسكن جوفك؟) وصدمتني جدًا بردها وهزت عروش وجداني (ما ودي ابذل عمري إلا معك ولا ودي امد يدي إلا لك كنت تبصر ولا ما تبصر، ونبرة حزني على إنك تركتني عشان هذا السبب، ماني بحزينة عشان نظرك لأني بقدر اعوضه لكن سامي من بيعوض مكانك بحياتي؟ كل يوم من اخر مكالمة بينا من نبرة صوتك الباردة من اهمالك المصطنع، كل هذا أنا عارفته لكن السبب كان غايب!)
قامت بعد ما قالت كلامها، وقالت (أنا ما أقدر أطول معاك هنا، لكن بوصل لك، باتصل عليك قريب انتظرني، وراجع نفسك زين، ووش تبي، ولو انك مكاني، بتخلى عني عشان فقدت نظري؟؟؟؟؟!) وراحت، ورجعت كل شيء غاب عن بالي لبالي، ورجع قلبي ينبض للحياة وللهفه اللي فاقدها ومعوضها بالدراسة رجعتها، كنّها رجعت كل شيء فقدته قبل الحادث!!!
انتظرت مكالمتها لين اتصلت والعجيب انها عاتبتني وقست بعتابها وما حسيت ابد انها مشفقة علي وخيبة كل هقواتي الشينة، رجعت لي الحياة برهنت لي إنها تحبني مرت اربع سنين من افترقنا لكن ما افترقنا في داخلنا عن بعض! اختلفت عن كل الناس وتميزت والغريب انها ما اختلفت عن ما اتذكرها عليه ما تغيرت علي عشان تغيرت عليها ولا قست علي من قساي عليها، هي غير هي استثنائية معي كانت وشجعتني دايما بطريقة انك انت بعيوني كامل وان عيوني بصرك!
مر الترم وتخرجت ومرت فترة التطبيق وتوظفت، فكرة إن حياتي انتهت طاحت، فكرة اني خسرت كل شيء ماتت، انا كسبت ناس حقيقة بحياتي اكثر من غيري، اخترت الناس بقلبي ما اخترتهم بعيوني، أنا فقدت نظري لكن الله عوضني وصرت محامي، ورجل عظيم بلا نظر!
تزوجتها وكل شيء كنت ابي اسويه سويته، غازلتها بكل صباح، وبكل مساء مازحتها وضحكتها، إنك تحب شخص وتغازله يختلف تمامًا عن الغزل لأي جميلة عابرة، غازلتها وصورتها ما فارقت عيوني وكأني حافظ صورتها تحت جفوني!
لازلت أبذل جهدي بحياتي وانجز وتعلمت ان كل عائق يواجهني يفتح لي ألف باب وألف طريق، وانك تطيح مايعني انك ماتقدر ترجع توقف ابدًا، تعلمت من الدرس، تخطيت مشكلتي، ما استسلمت وبنيت لي مستقبل والله اكرمني بشيء كنت اتمناه بس اني استسلمت لكنه لي .. هي لي، هذا رزقي، اعمى ولا فقير أو غني رزقي هي وجابت لي نايف، ومتأكد انه عيونه مثلها!
في النهاية مهمها فقدت لا تستسلم ابد وكل عائق تواجه يعطيك مليون سبب لتستمر، والحياة مليانه عوائق ابسطها كلمة واقساها فقدان، الحياة واسعه والتحديات كثيرة ف أجتهد!





تعليقات